على ابراهيم يكتب : دروس من التجمع الخامس

على إبراهيم

حذر الأستاذ هيكل رحمه الله قبل عشر سنوات أو أكثر -لا اتذكر على وجه الدقة-  من تحزيم القاهرة بكانتونات خضراء تحوطها سياج واسوار وملاعب جولف، ورأي إنها ظاهرة يجب أن تتوقف وقتها ولم يناقشه أحد ولم يلتفت نظام مبارك إلى ماقال، فدائما ترى الأنظمة أن معارضيها لا يرغبون الا في قض مضاجعها والتبكيت عليها وإظهار ضعفها فقط، وليس من أجل تصحيح أوضاع يراها المعارض للسلطة خاطئة، وكان ذلك في وقت مبارك حيث كان مسموحا للجميع أن يلوك ما يريد حتى لو لم يتم الالتفاف إليه ولو كان في وزن وقامة الأستاذ، فما بالك ونحن أمام نظام لا يرغب في أن يتحدث غيره ولا يسمع إلا صدى ما يقول مهما ادعى غير ذلك فالواقع يكذب دائما التصريحات، وضيق الصدر يكشف عن النوايا.
ساعات قليلة من الأمطار على حي التجمع الخامس كشفت الكثير من الأزمات التي يعيشها الإنسان المصري ، تنوعت في توصيفها وماجرى فيها وحولها.
كان أول ما تبدى من سطح الأزمة هو العجز الحكومي في مواجهة الأزمات القدرية الطارئة، التي حلت على أحد ارقى الأحياء المصرية وأحدثها، وسوء التخطيط الذي حدث فيها، فما بالك لو أن ذلك جرى في الأحياء الأخرى صاحبة البنية المتهالكة ناهيك عن عشوائياتها.
كما كشفت عن عمق الأزمة المجتمعية التي تراكمت عبر عشرات السنين ولا تزال تواصل تأزمها، من خلال سوء إدارة الثروة وتوزيعها، فما جرى على صفحات التواصل من سخرية وتهكمات، فسرها البعض على أنها تشفي وشماتة في القطاع الأغنى الذي استطاع الهرب من القاهرة الخانقة الى القاهرة الجديدة، لكن المدقق يستطيع أن يرى عمق المشكلة فهي كشفت عن حالة احتجاج ضد تلك الطبقة خاصة وأن التجمع هو وجهة سكن الكثير من المسئولين وعلية القوم من ضباط ومستشارين ورجال أعمال وفنانين ولاعبي كرة ولصوص مال عام وغيرهم من الأسر التي أفرزتها سياسات متعاقبة، أو حتى دفع أصحابها من أعمارهم لقاء تملك وحدة سكنية هناك.
صحيح أنه لم يكن من غير اللائق أن يكون الرد على صرخات واستغاثات المتضررين من الأمطار التي أغلقت الشوارع واتلفت المنازل التندر على هؤلاء القوم ، وكأن الرد عليهم اشربوا وتذوقوا مما يعانيه بقية الشعب في الأحياء المتخمة بالمشكلات قبل السكان، لكن يجب معالجتها عبر التلاسن المتبادل على صفحات التواصل الاجتماعي والفضائيات ، بين طرفين لايدري أحدهما اين تحل الكارثة المقبلة -لاقدر الله- بقدر ما يحتاج إلى دراسة السياسات والأوضاع الحالية وما قد تؤدي إليه مستقبلا.
وبقدر ما تكشف من أمراض اجتماعية أصابت البنيان المصري فهي أظهرت أيضاً سوء إدارة الأزمات رغم أنه كان يجب الاستفادة من تلك النعم المتمثلة في الماء الذي تئن مصر من مواجهة ندرته إثر عملية الفقر المائي الذي تسبب فيه سد النهضة الاثيوبي، وتحويل الكارثة الى جانب إيجابي منها من خلال الاستفادة من تلك المياة.